الأربعاء، ٨ ربيع الآخر ١٤٣١ هـ

( 11) قيام ليلة القدر/ 2

إن الذين اتخذوا التصوف طريقة تديُّن وتقرُّب إلى الله؛ سيجدون في كلامي تبسيطاً وجهلاً، لأن لديهم- كما يعتقدون- ما يسوّغون به هذا الأسلوب في الذكر والتقرب إلى الله، لكن ما أعرفه ويعرفه كل مسلم يعود إلى الحديث الصحيح؛ أنه لا يجوز الابتداع في العبادات، وأن الإخلاص في العبادة، سواء كانت شعائرَ أو أفعالاً عادية، يقتضي كثيراً من التحوُّط والتخفّي خوفاً من الرياء..

**

أما عن تلك الركَعات المئة، فلا أصل لها في صحيح السنة، وقد يزعم البعض أنها بدعة حسنة، والردُّ هو نفسه، أن التقرب إلى الله لا يكون إلا وِفق ما شرعه سبحانه وتعالى، والصلاة كتاب موقوت، فلمَ أصلي قضاء خمسة أيام بحجة أني ربما لم أؤد بعض صلواتي على الصورة المطلوبة، وأنها لم تقبل مني؟ أليس في الأمر تنطع وافتراض لاضرورة له؟

ليس لنا، وليس علينا أن نفعل ما لم يفعله محمد صلى الله عليه وسلم، بأية حجة. إن صلاته في الليل معروفة موصوفة بالحديث الصحيح، وباب الخير واسع مفتوح أمام كل منا، نسعى إلى الأجر والثواب، دون أن نخترع ونضيف، حتى لو فعل ذلك ناس في القديم، ووُجد من يقرُّهم عليه..ما الداعي؟ ما الحاجة؟ أليست أسئلة ساذجة.. هل سنزيد أو نزاود على عبادة رسول الله؟

إنما يكون اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، في أن تكون وراءه، تفعل ما يفعل، وتمشي حيث يمشي وتتجه حيث يتجه..لا تسابقه، ولا تحاذيه. صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

**

تخللت الصلوات أيضاً مواعظُ من الآنسة، لا تختلف عن غيرها، في خلط الجِد بالهزْل، والتوبيخ بالتخويف.

لكن قراءة الآنسة( ليست آنستي) للقرآن أثناء الصلوات، كثرت فيها أخطاء أدهشتني، وقد شاركتني الرأي فيما بعد قريبتي، بعد أن ذكرت من فضل الآنسة ونقائها ومنزلتها عند الآنسة منيرة.

**

أما الحادثة التي لا أنساها، والتي افتتحت بها ليلتنا، فهي أن إحدى البنات، وكانت صبية مجتهدة متفوقة، فاجأتها دورتها الشهرية، فأصيبت بحالة تشبه الهستيريا، وجعلت تبكي وتنتحب، وتردد أن الله تعالى غير راض عنها، وأنه لا يريدها في القائمين بين يديه.

جلست الآنسة( أو إحدى المريدات الأكبر سناً) على الأرض، ووضعت رأس البُنيَّة في حِجرها، وجعلت تمسح شعرها، وتهدئ خاطرها وقتاً غير قليل، والبنت تنتحب وتتحسر على نفسها. وهي على الأغلب بقيت معنا تذكر وتستغفر..ولعل ما حصل معها ناجم عن قرب عهدها بالبلوغ، فلم تنتظم دورتها بعد.

بقينا حتى طلوع الشمس، وكان ثمة، بالطبع، سحور لطيف فيه الإكرام والبساطة، ولا أذكر أني دعيت إلى حضور قيام مرة أخرى.

هناك ٨ تعليقات:

أم هادي يقول...

أرجو أن لا تنقطعي عن الكتابة و أن لا تفقدي الحماس للتذكر. أستمتع بقراءة كل كلمة لأنك تكتبين ما جال و يجول في خاطري.
منذ سنوات كان مصدر العلم الديني -و خصوصاً للنساء- يكاد يكون محصوراَ بالآنسة أو الشيخة, و كان كلامها ينفذ دون مناقشة. أما الآن فقد أصبح العلم الشرعي بمتناول الجميع و ازداد الوعي و الحرص على اتباع القرآن و السنة و اجتناب البدع, و مع ذلك تصر بعض الأخوات على اتباع ما قالته الآنسة فلاتة و ما فعله الشيخ فلان حتى و ان كان يتعارض مع العقيدة السليمة أو يحمل غلواً و زيادة عما أرشدنا اليه سيد الخلق. و ليس لهن حجة في ذلك الا أن الآنسة قالت هكذا و هي من الأولياء ذوي الكرامات!!!
بانتظار التتمة, وللحديت بقية

غير معرف يقول...

كم أحب قراءة صور طفولتك يا أمي.
أحب جداً تخيل كل تحركاتك وتصرفاتك و ما كان يجول في فكرك وأنت تكبرين.
وصفك للأماكن والمشاهد يشدني دوما..
وينقلني كآلة الزمن إلى لم أعشه.

بانتظار أن أعرف ردة فعل الآنسة عندما انتهت الحضرة.

أحبك،
سيرين

فاطمة يقول...

الأخت الغالية أم هادي جزيت خيرا على المشاركة التي سأسميها فعالة..وأنا بحاجة إلى المزيد منها.. كما أشرتُ لم يعد التذكر سهلا ولا محببا، ولعل أموراً كثيرة تغيرت منذ تلك الأيام، لكن الملحوظ بوضوح أن التصوف يشق طريقه بقوة أكبر في هذا العصر، مسلحاً بوسائل أقوى وأكثر ذكاء..ولعلي أناقش هذا في ثنايا حديثي.. أسأل الله العون والتوفيق..وأطلب منك الدعاء.

فاطمة يقول...

وإلى سيرين
لتعليقك أثر كبير في دفعي للمتابعة..رغم أنك لم تتحدثي في صلب الموضوع:( لقد هيأ الله لك-أن تتلقي أصول العقيدة صافيةً في مدارس المملكة.. على ماكان فيها من متاعب، وحمتك أمك بفضل الله من الانسياق في تلك الطريق التي كانت حاضرة في الرياض بزخم يتزايد.
الله يرضى عليك.. تابعيني  

سارة / زليخا يقول...

متابعة هاهُنا منذ مدة
وسعدت جدًا جدًا بعودتكِ للتدوين ..
في حديثك هاهنا زادٌ وتسلية وتثبيت لمن يرى حوله أحداث شبيهة ..

شكرًا لجمان لأنها دلتني على صفحتكِ ،
واسمحي لي أن أناديك خالة فاطمة :)

فاطمة يقول...

حياك الله يا سارة، وبارك فيك، يسعدني أن يكون لمحاولتي هذا الأثر..بانتظارك دائما..وشكر مني أيضاً لجمان

قبيسية سابقة يقول...

مستمتعة جدا بكتاباتك , ارجو ان تكملي ..

Layla Shuayb يقول...

للأسف هذه البدع لحقتنا لكل مكان. و اذا اعترضت قالو عني سلفية، احس بالوحدة احيانا لأنيي لم ارضى المشاركة في تلك الجلسات او حتى بالمولد النبوي. لا تدخل بعقلي ان نأخذ بالاحاديث الضعيفة! و صلاة قضاء الفرائض؟ من اين جاؤوا بهذه الفكرة، والله عندما جربتها مرة معهم لم احس بالخشوع او الراحة. لا احضر قيام الليل معهم في رمضان و لا ابعث بناتي ليحضرن. اصلي معهم في البيت و نتعبد كما امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم.