الأربعاء، ١٧ رمضان ١٤٢٩ هـ

( 7) وذلك الجسم

فكيف أحارب هذه النفس؟ كيف أتخلص من سطوتها؟
إن من أبرز أساليب القمع أن يكون جسم البنت ومظهرها آخر ما تفكر فيه!!
الجسم حي، يمكن أن يخضع للهوى والنفس، كما يمكن أن يستجيب لنداءات الروح.
الجسم( كما تعلمت بعد زمن) يستحق الرعاية والعناية، لأنه مطيتك( دابتك فعلا) إلى الطاعات كما يقول ابن الجوزي.. الجسم يؤخذ بالحكمة والمسايرة أحياناً، وبالحزم والزجر أحياناً. لا بد من الأسلوبين، لا بد من اتباع سنة المبعوث رحمة للعالمين.
لكن الأمر يختلف عندما تسلك طريقاً نحو التصوف، أو ما يشبهه :

فيمايتعلق بالعناية الشخصية، فقد بدا لي واضحاً من مخالطة القريبات والزميلات أن بعض شؤون التنظيف والتجميل التي تألفها مجتمعات النساء، صارت أمراً شبه منكر..
لقد شعرت أحياناً ببعض العطف والحزن لما آلت إليه حال بعض الشابات اللواتي كن مهتمات لمظهرهن وجمالهن، قبل أن يصبحن قبيسيات!!
وسيمضي وقت غير قصير، قبل أن أسعى إلى معرفة الفرق بين ما فرضته الدروس.. وما فرضه الله، بين ما منعته الدروس، وما حرمه الله تعالى، في دين يهذّب الفطرة ولا يحاربها، يدعو إلى الحياة الطبيعية دون شطط، ولا غفلة.
لنعد إلى( ذلك الجسم)
يفضل أن تلبسي قميصاً قطنياً بكم قصير تحت ملابسك صيفاً شتاء ربيعاً خريفاً.. يكمله سراويل* قطنيّ أيضاً يقبض على ما تحت الركية بمطاط..
لباس آخر لا بد من الإشارة إليه ولوكان محرجاً: يجب ألا تلبس البنت صدرية( يسميها الشوام سوتيان بالفرنسية)، أو منهدة كما سماها صبري القباني صاحب مجلة( طبيبك) الشهيرة ربما من قبل أن أولد، والتي كانت من المجلات المستفظعة المستقذرة، لا يقرؤها أحد في البيوت المحافظة، والله أعلم، إلا خلسة.
بذلك تضيع معالم جسم الأنثى، حتى في بيتها، وتقنع نفسها( أو توهمها) بأنها لا تفكر بأنوثتها، وأنه لا أحد سيهتم بها بعد.
من هنا يفترض فيها ألا تشغل نفسها بمسألة الزواج، بل إن هذه الفكرة تقلقها وتجعلها تتساءل كيف يمكن التوفيق بين طاعة الله والتبتل له، وبين أن تصبح زوجة، عليها كل واجبات الزوجة..
لكن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم تزوج وأنجب، أبواها تزوجا!.. الآنسات الكبيرات لم يتزوجن، لم يردن أن تشغلهن شهوات الأرض عن دعوة السماء..فأين الصواب، وأين الحق.. وهل يمكن أن أناقش أمراً فعله صاحب الرسالة وسائر صحابته.
الحياة الحقيقية مغيَّبة تماماً عن الدروس، كلُّ الذين تضرب بهم الأمثال: هجروا الدنيا، تعرضوا للمهانة والازدراء، جاعوا وتشردوا هاموا على وجوههم يجرون أجساماً أثقلتها آثام فظيعة لايدرون كيف ومتى يكفّرون عنها.....
سبحان الله!
وكأنك أيها الإنسان خلقت لتهجر الدنيا، متفرغاً للبكاء على خطاياك، لتأديب نفسك إن لم يكن تعذيبها!! فلا يتبقى لديك أي وقت لتكون خليفة الله في أرضه، فتعمرها وتنشر فيها رسالة الخير، قائماً على الحق في مواجهة الباطل.
استطراد أجده مفيداً:
وعندما يتجاهل الآباء والمربون حاجات الجسم وتطوراته الطبيعية، وينظرون إليها باستقذار كَنَسي، ولا يسمحون بالخوض فيها معهم أو أمامهم، يظنون أن الأمور تسير وفق ما يشتهون، وأن الأبناء لن يبحثوا عن مصادر أخرى تعلمهم أو ترد على تساؤلاتهم أو تفسر مشاعرهم وتوجهها، ولقد اطلعت بعد زمن طويل جدا، بعد الزواج والإنجاب، على عدد من مجلة( طبيبك)، فوجدت أني كنت بحاجة ماسة إليها في وقت من الأوقات، وأنها لو تجنبت المبالغة والتفصيل المثير أحياناً، لربما أعانت بعض البيوت.
وإن كان لنا- معاشر المسلمين- في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنته المبينة لكتاب الله تعالى؛ لغنى في شؤون الدنيا والآخرة، لو صدقنا في قراءتها واستنطاقها.
***
لم يطل بي الأمر حتى اتخذت للخروج معطفاً واسعاً، يغطي جزءاً من الساقين، مثل كثير من رفيقات الدرس، لكني شعرت بالحنق والحرج من مظهري.
لعلي لم أكن أشعر بالراحة إلا وأنا في الدرس على وجه الخصوص.. حيث أغدو جزءاً، ربما قطرة، في تيار غامر جبار يحملني، فأشعر بأني أخف، وأكاد أنسى وجود أي عبء على كتفي ّ الناميتين.
____________
*الجسم في اللغة، غير الجسد، الجسد هو المكوِّن المادي، أو البدن دون روح، قال تعالى في وصف المرسلين "وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين" الأنبياء/ 8 وقال تعالى: " واتخذ قوم موسى من حليّهم عجلاً جسداً له خوار.." الأعراف 148 – أما الجسم فهو البدن الحي، وفي وصف طالوت قال تعالى" وزاده بسطة في العلم والجسم" البقرة/ 247
* السراويل للواحد هي الصواب، والجمع سراويلات( انظر المعجم الوسيط: سرول). وإن كان الشائع: سروال، مع جمعه على سراويل.

الخميس، ٤ رمضان ١٤٢٩ هـ

(6) ونفسٍ وما سوّاها

بدون تعليمات موجهة لي شخصياً( كما أشرت في حلقة سابقة).. من النظرات المتبادلة، من بعض العبارات التي تبدو عرضية أحياناً، من مظهر رفيقات الدرس؛ من أحاديث وتوجيهات القريبات الغارقات في حب الآنسات، تشكل لدي وعي ما، إحساس ما بما يجب وما لا يجب.. بما تحب الآنسة وما تكره، وكنت راغبة في الطاعة، ربما بحكم السن أو الطبيعة الشخصية، ربما بسبب انتمائي إلى بيت لا يخلو من روح التصوف، ولعل كل بيوت الطيبين المتدينين( كما يُسمَّون) في الشام كانت كذلك

ذلك أن الإرث الصوفي، الذي يضرب بجذوره إلى أيام المماليك، ومن بعدهم العثمانيون، هو الأقوى والأكثر شيوعاً في الشام، حيث دفن محيي الدين بن عربي( وقد بنى المسجد على قبره السلطان العثماني سليم الأول) الذي صار قبره مقصد الحزانى المبتلين، والخائفين الراغبين، يتبركون بزيارته وينذرون له النذور، وهو الرجل الذي يدل ظاهر كلامه على عقيدة وحدة الوجود* الكفرية، لكن الرافضين لتكفيره يقولون: إن الكلام الموجود في كتبه كفر
ومن هنا كانت الحرب الشعواء على النفس ومطالب النفس وهوى النفس؛ ثقافةً شائعة رسخت لدينا الميل إلى احتقار الذات والسعي إلى سحقها وإذلالها

لم يكن الفرق واضحاً أبداً ولا مطروحاً ما بين النفس اللوامة، وبين ذلك الشعور الثقيل الذي يربك فكرة الاعتزاز بكونك مسلمة

لم أسمع في درسي يوماً تلك العبارة الشهيرة لعمر رضي الله عنه: لا تُمِت علينا ديننا.. على العكس كان التماوت والاستكانة والتحسر؛ هو السائد في الدروس وفي المجالس، سواء
هذه النفس أمّارة بالسوء، تحركها الأهواء والشهوات، ولا بد من كبحها وصولاً إلى قهرها.
الأفكار يجب أن تراقب، المشاعر تحت المراقبة، ويجب أن نسيطر عليها بحزم وقسوة..
***
لذلك كان ثمة صلوات كثيرة مطلوبة، عدا الفريضة: صلاة الضحى( يستحسن أن تصل إلى اثنتي عشرة ركعة) وصلاة الرغائب( لها توقيتها من شهر رجب وأصولها)، وصلاة التسابيح(ولها أصولها أيضاً)، ثمة
قيام الليل بالطبع، لكن له طقوسه وأصوله

وقد سبق الحديث عن حفظ القرآن، وكيف أنه كان شيئاً بدهياً، أكاد أجزم أنه صارف عن الغاية من هذا الكتاب المعجز، الذي يحمل رسالة الإسلام، طالما أنه يتمّ بسرعة ودون أن يرافقه ولو حد أدنى من الإلمام بموضوعات السورة أو أسباب نزولها.. أبدا.. الكمّ هو الفيصل، كلما حفظت أكثر، فأنت أفضل.

يجب أن تكون لك أذكار وتسبيحات يومية صباحية ومسائية( بالألوف)، ولقد حاولت تقليد إحدى قريباتي في ذكرها حين تضع على رأسها شرشفاً كبيراً يؤمن لها الظلمة، ومعها سبحتها، ثم تبدأ الذكر، وإذا بها بعد دقائق تبدأ تهتز .. وصوت حبات السبحة يتتابع بصورة أسرع.
كأن الأمر أعجبني، واعتقدت أني سأكون بنتاً صالحة لو استطعت الوصول إلى هذه الحال، فلما جربت ذلك مرة أو مرتين وجدت أن اهتزازي ليس ناشئاً عن خشوع أو حالة ما! بل يعود إلى نشدان السرعة وقد ألِف الذهن عبارة التسبيح أو الاستغفار، واللسان يريد التجاوب مع سرعة الذهن، فلا ينجح تماماً، فلايجد أمامه إلا الاستنجاد بحركة الجسم الذي يستجيب باهتزازات متقاربة قوية.. وكأنه يساعد اللسان على الإسراع
كيف تكون العبادة مربكة معقدة هكذا..

***
أنا بنت رديئة كسولٌ مزاجية!! وسأعيش هذا الصراع الجاهل طويلاً.. بانتصارات نادرة.. وهزائم متكررة.
_________________
*وحدة الوجود: عقيدة تقول بأن الله والطبيعة واحد، وكل صورة في الكون إنما تعبر عن الله، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا. وانظر
http://www.saaid.net/feraq/mthahb/87.htm