السبت، ١١ ربيع الآخر ١٤٣١ هـ

( 12) رحلة إلى البيت المدهش/1


مع خيوط الصباح الأولى، توقفت أمام مدخل بيتي تلك الحافلة الصغيرة التي نسميها ميكرو باص، لتقلَّني مع رفيقات الدرس في رحلة نحو بلدة قريبة من دمشق، خضراء حسناء بأرضها وناسها( لعلها عين الفيجة، أو العين الخضراء)

كنت أشعر بالحماس والسرور، ففكرة مغادرة البيت والغياب عنه نهاراً كاملاً مغرية جداً لمراهقة تتهرب من أعمال المنزل، وتحب الثرثرة مع الصديقات، بل وتعتقد أن للصبيان نصيباً من الحرية لا يمكنها الحصول عليه، وبخاصة بعد أن غطت شعرها وسائر جسمها، ونبذت الألعاب الصبيانية التي كانت تشارك بها أخاها تحت السماء، بعيداً عن الجدران والأسقف..وقوانين الأمهات.

الحافلة صغيرة يقودها رجل قد يكون لإحدانا علاقة قرابة به، فأنت تفهمين بمرور الزمن أن الجماعة لديها شبكة علاقات ممتازة، تمكِّنها من تسيير وتيسير وتذليل عقبات كثيرة، قد تظهر في طريق النجاح والانتشار..

**

فوجئت كثيراً بل خفت من سماعي البنات يبدأن الإنشاد والغناء.. يا إلهي أليس هذا حراماً؟ هل يجوز أن يسمع السائق الغريب أصوات بنات محجبات.. قالت إحداهن ببساطة: غناء جماعي لا بأس..

ظللت مرتبكة، وازددت حيرة حين وافقت الآنسة بعد تمنع أن تغني، وقد ذكرت أن الله حباها بصوت نديّ مطرب، مع إتقان كنا نجده لا يضاهى.. قالت إحدى البنات الجريئات، وكانت في المرحلة الثانوية: أرجوك آنسة..ابدئي وسنغني معك..

كنا متجمِّعات حول الآنسة في المقعد الخلفي، لكن الحافلة كما ذكرت، صغيرة، وجعل البنات يكررن: السائق بعيد..سنغني معك، فاستجابت..

يحضرني هنا بيت الشاعر الأعمى بشار بن برد( ت: 168هـ):

ياقومُ أُذْني لبعض الحيّ عاشقةٌ= والأُذْن تعشقُ قبل العينِ أحيانا

لقد استُقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وصوله إلى المدينة بأغنية عذبة ما زلنا نردّدها حتى اليوم( ويُروى أنها كانت يوم عودة جيش المسلمين من تبوك) غناها الكبار والصغار، والنساء والرجال، فهل الحالتان متشابهتان؟

لا أجد سماع ترحيب بالنبي صلى الله عليه وسلم، تردده مئات الأصوات، يشبه غناء الآنسة، وحتى مجموعة بنات في ميكروباص، ومهما سمعت اليوم أن عالماً أو شيخاً يفتي بذلك، فسأظل أردد: لا بد من ضرورة، ليس صوت المرأة عورة، لكنها حين تغني، تصبح كمن زينت لباسها وجملته بما يلفت النظر إليه، فيكاد اللباس يفقد الغاية منه.

الخطأ واتباع الهوى سمة البشر، وقد يقع بنية طيبة، أو عن طمع برحمة الله، لكن الحكم يختلف حين نتحدث عن جماعة، وعن آنسة قدوة، لابد أن تأخذ نفسها بالأشدّ، لأن الأعين متعلقة بها، والأعناق مشرئبة إليها، وحين يتساهل القائد، فإن تساهل الأتباع يأتي أكبر وأكثر، والله أعلم.

هناك تعليقان (٢):

أم هادي يقول...

ما من انسان معصوم من الخطأ, و لكن خطأ المربية أو الآنسة يترك أثراً يصعب ازالته. قد تكبر التلميذة و تصير أمأً و هي ترتكب الخطأ و تقول "الآنسة فعلت هذا".
بالاضافة لذلك فان البنت قد تفقد ثقتها في كلام المعلمة حين ترى تصرفها الخاطئ.
أتشوق لما سيأتي...

فاطمة يقول...

أهلا أم هادي. وما قلته بالطبع ينطبق على أي قدوة:أي امرئ في موقع توجيه أو اقتداء حتى لو لم يقصده، ..لذلك كان علينا الاقتداء بمن لا ينطق عن الهوى، ذي الخلق العظيم، صلى الله عليه وسلم، ومن شهد لهم .. شكرا لك