الاثنين، ٦ ربيع الآخر ١٤٣١ هـ

( 10) قيام ليلة القدر/ 1

دعتني صبية من القريبات لحضور قيام ليلة القدر، وكان معظم الناس يعتقدون في تلك الحقبة أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين، فحسب، ولم تكن مسألة تحرّي الحديث الصحيح بذلك الشيوع الذي نجده اليوم.. بل إن الأخذ بالضعيف من الحديث كان مسوَّغاً بصورة مبالَغ فيها بدعوى الترغيب والترهيب، مع أن لهذا الأخذ بالضعيف شروطَه، ومن جهتي لا أجد له مسوِّغاً مادام بين أيدينا قرآن يتلى، وحديث صحيح.. ولا أدري لم نكون بعد ذلك في حاجة إلى حديث ضعيف لنرغب ونرهب.

أدخلوني غرفة فسيحة نسبياً، أضواؤها خافتة، تنبعث منها روائح طيبة، لعل أوضحها رائحة النظافة، ولهؤلاء الصبايا في مسائل النظافة والطهارة تشدد يفوق قوانين الفقه.

هذه النظافة الفائقة تؤثر على حواسّ المتعبد ولا شك، وتضفي جواً من الطمأنينة والسرور.

كانت أرض الغرفة مغطاة بسجادات الصلاة مع أغطية لمن أرادت، ومسابحَ.. لم يكن هنالك مقاعدُ وكأن الغرفة فُرِّغت من أثاثها من أجل القيام..

كان علينا أن نصليَ، تؤمُّنا الآنسة، فروض خمسة أيام، مجموعها مئة ركعة، بمعنى أنك تصلين صلاة الفجر خمس مرات، وصلاة الظهر خمس مرات..إلى العشاء، يضاف إليها الوتر حتى تصبح مائة..

يتخلل ذلك الذكر الجماعي مثل تكرار عبارة لا إله إلا الله، والصلاة على النبي( صلى الله عليه وسلم) وربما الإنشاد والغناء.

وقد يقام الذكر وقوفاً، وله أناشيدُ معينة ذات نغَمات متصاعدة، لا تخلو عباراتها مما لا يليق بذكر الله تعالى من مثل قولهم:

صاحِ دعني في سكري= واعذر فالهوى عذري

أنا ليس في سرّي إلا الله= آه آه بسم الله

وهذه القصيدة تبدأ بقولهم:

أنت نسخة الأكوان= فيك صورة الرحمن

فاجمع سور القرآن بسم الله= آه آه بسم الله

صدقوني لا أفهمها جيداً حتى اليوم..هل لكل عبارة معنى، أم فيها رصف كلمات للضرورة..وهل محمد صلى الله عليه وسلم هو نسخة الأكوان، وما معنى أن يكون نسخة الأكوان..

ولما سمعت مني إحداهن بعد مدة كلمات تلك القصيدة قالت: ماهذا؟ هذه ليست من مستواك..ولم أفهم..كنت أحب اللحن فحسب وأحاول التغابي عن المعاني التي تؤرقني، وتبعث في نفسي الكثير من التساؤلات.

**

حين نهضت البنات بإشارة من الآنسة، وتحلقن في دائرة كبيرة..ودعونني للانضمام إليهن والإمساك بيدي الزميلات؛ اضطربت وارتبكت، ووجدت نفسي أفلت يديَّ، لم أستطع مجاراتَهن رغم كل ما أظنه في نفسي من خجل ومسايرة ومطاوعة.. لم أستوعب ولم أتفهم كيف يذكر الله هكذا، وكيف يكون لي الأجر العميم وأنا أقف مستعرضة خشوعي وانسجامي..

لم يلحَّ علي أحد، وجلست على كرسي في زاوية الغرفة، أرقب الأجسام المتمايلة يميناً شمالاً، أمامَ وراء، في انسجام يشبه رقصة جماعية محتشمة ناجحة الإعداد والإخراج والتدريب، وأرقب الوجوه التي ترسم تعابير الوله والوجد والتوق إلى رضا الله أو لقائه أو الفناء فيه..والله أعلم.

وأنا أجزم أن أي إنسان من لحم ودم وأعصاب، لو كان في هذا الموقف لانغمس فيه، وانتقلت إليه عدوى الطرب والانتشاء، ولربما بكى وأغمي عليه، وهذا ما نراه في الحفلات الغنائية من الشباب والشابات.. إن الشعور الجمعي أشبه بتيار كهربائي يسري في الجميع..كما أن الإيقاع المنتظم لضربات الدف أو المزهر التي ترافق هذه الطريقة في الذكر التي تسمى( الحضرة) حين تتخذ طابعاً أكثر جدية، وتكون مقصودة لذاتها، يساعد على تحقيق الانسجام بين ال( ذاكرات!) وال( ذاكرين!) وبالتالي يوحد مشاعرهم وربما أفكارهم.

هناك ٤ تعليقات:

جمان يقول...

وصف دقيق جميل .. أتابع :)

فاطمة يقول...

الله يرضى عليك

غير معرف يقول...

http://www.azahera.net/showthread.php?t=4439

Layla Shuayb يقول...

حصل معي نفس الشيء لكن لم انغمس و لم تصبني العدوى، بالعكس نظرت اليهم بعين الشفقة ثم هربت و تخبأت على الاسطوح. لم تتحملني الآنسة و اتصلت بجدتي و هي غاضبة عليي و رجعتني تاني يوم الى الشام. :)
ليلى شعيب